السمارة: ندوة علمية حول موضوع: “التحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الصحراوي

aljanoubiapress30 مايو 2025آخر تحديث :
السمارة: ندوة علمية حول موضوع: “التحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الصحراوي

السمارة : ندوة علمية حول موضوع: “التحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الصحراوي

رئيس التحرير الجنوبية بريس متابعة

تقرير حول الندوة العلمية : “التحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الصحراوي”
نظم منتدى دكاترة الصحراء بالسمارة، بدعم من الجماعة الترابية للسمارة، وبتعاون مع مركز الدراسات والأبحاث الحسانية، ندوة علمية حول موضوع: “التحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الصحراوي”، بمشاركة ثلة من الأساتذة الباحثين، الذين تناولوا الموضوع من جوانب عدة، وأبانوا عن كفاءة علمية عالية. وتخللت جلسات الندوة نقاشات عميقة ومثمرة، أغنت هذه التظاهرة العلمية والأكاديمية، وذلك في جو من الانضباط والمسؤولية قل نظيره. وتم كذلك توقيع كتاب “المقاوم اسماعيل ولد الباردي” للدكتور محمد دحمان. وقد نظمت الندوة بالمركز الثقافي الشيخ سيدي أحمد الركيبي بالسمارة بتاريخ 25 ماي 2025 . وتضمنت جلستين علميتين وفق ما يلي:
الجلسة الأولى (رئيس الجلسة الدكتور سيدي عبد الرحمان عوبا، عضو منتدى دكاترة الصحراء بالسمارة)
المداخلة الأولى: “التغير الاجتماعي في المجتمع البدوي بالساقية الحمراء ووادي الذهب من خلال الدراسات الأنثروبولوجية الاسبانية”، قدمها الدكتور محمد دحمان أستاذ علم الاجتماع والثقافة الحسانية بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة ابن طفيل، القنيطرة.
استهل الدكتور محمد دحمان ورقته العلمية بالتساؤل حول التغير الاجتماعي بتراب الساحل من خلال أعمال باحثين أنثروبولوجيين إسبانيين هما: خولیو کارو باروخا (Julio caro Baroja) و آلبیرتو لوبوبيز بارغادوس Alberto Lopez Bargados))، وذلك في إطار مراجعة الدراسات السابقة، خاصة تلك التي استندت على بحوث ميدانية بالمنطقة في مراحل تاريخية هامة، والتي تناولت النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، إنها مرحلة إعادة انتظام القبائل ومحاصرة التجارة الصحراوية القافلية من طرف قوى الاستعمار، التي أصبحت حاضرة في السنغال ومالي جنوبا، وفي الشمال المغربي والجزائر، ناهيك عن تسرب اقتصاد السوق إلى المنطقة وبداية ظهور الحواضر مع التمركز الاستعماري الإسباني في وادي الذهب والساقية الحمراء. ويطرح التساؤل: إلى أي حد استطاعت الدراسات الأنثروبولوجية في هذه الفترة رصد ملامح التغير الاجتماعي بالساقية الحمراء ووادي الذهب؟
وقد خلص الباحث من خلال الطروحات التي تقدم بها إلى ما يلي:
– تعد دراسة كل من باروخا وبرغادوس من أهم الأبحاث الاجتماعية الاسبانية حول الساقية الحمراء ووادي الذهب، فهما عملان رائدان في مجالهما، ولا يزالان في حاجة للمزيد من الدراسة المعمقة والتحقيق العلمي.
– نبه هذان العملان إلى أهمية التقاليد المروية في جمع المعطيات التاريخية والحضارية حول المنطقة وسكانها.
– حفظهما أيضا للعديد من الروايات الشفهية والممارسات الثقافية، التي لم تعد موجودة اليوم بفعل قوة التحول الاجتماعي الحاصل بالمنطقة خلال العقود الماضية.
– إن التغير الاجتماعي الذي حاولت هذه الدراسة رصده من خلال هذين الكتابين يبقى باهتا، وسبب ذلك في نظر الباحث أن هذه الكتابات تمت حول المجتمع وهو لا يزال في بداية تحوله، إبان التدخل الاستعماري، ومن المعروف أن التدخل الاستعماري في الصحراء ظل محتشما إلى حدود نهاية الثلاثينات من القرن العشرين، لذلك تمت ملاحظة أن كل من باروخا وبرغادوس يقدمان معلومات تاريخية أكثر منها معلومات آنية.
ومن هنا تظهر الحاجة إلى القيام بأبحاث سوسيو انثروبولوجية حول المنطقة، تواصل ما بدأه كل من باروخا وبرغادوس، لفهم ما حصل من تحول بعد تصفية الاستعمار والاندماج في الدولة القطرية وأزمة المجتمع البدوي …
وفي الأخير، يشير الباحث إلى ضرورة إنجاز دراسات سوسيو أنثروبولوجية في إطار فرق بحث، أو بتأطير من مؤسسات علمية، لما لها من أهمية في دراسة مجتمع في طور التحول، تتفاعل فيه عوامل كثيرة مجالية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
المداخلة الثانية: (عبر التناظر المرئي)”التحولات الاجتماعية وتأثيرها على العلاقات الأسرية في المدينة الصحراوية” للدكتورة رشيدة بوشتى، باحثة في علم الاجتماع، أستاذة محاضرة بالمعهد العالي للمهن التمريضية بأكادير، حيث تناولت في موضوعها التغيرات التي شهدتها العلاقات الأسرية في المجتمع الصحراوي نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن التحضر. إذ تشير النتائج إلى أن المرأة كانت تحظى بمكانة خاصة في فترة الترحال، لكن مع انتقال الأسر إلى المدن، تغيرت أدوارها نتيجة للتعليم والعمل خارج المنزل، مما أدى إلى تحول العلاقة بين الزوجين نحو مزيد من الحوار والاحترام. كما تطرقت الدراسة إلى التوترات بين الآباء والأبناء بسبب اختلاف القيم المتعلقة بالطاعة والاختيارات الشخصية، فضلاً عن تراجع مكانة كبار السن داخل الأسرة. كما تمت ملاحظة تزايد تفضيل الاستقلالية في السكن، مما يعكس الانتقال نحو الأسرة النووية. حيث أسهمت هذه التحولات في ضعف الروابط الأسرية وتراجع التضامن العائلي.
المداخلة الثالثة: “الإسم والتسمية في المجتمع الصحراوي بين الثابت والمتحول، مقاربة سوسيو- أنثربولوجية” للدكتور حسن بارى، باحث في علم الاجتماع، حيث تطرق في ورقته العلمية للإسم والتسمية في المجتمع الصحراوي، وانطلق في بداية هذا العمل من تباين طقوس التسمية عند بدو الصحراء، مع ذكر بعض الاختلافات الجزئية بين بعض قبائل الصحراء، والتي تبين غنى هذه الثقافة وتنوعها. كما عرج على ذكر بعض التحولات التي مست هذه الطقوس في الزمن الراهن. وبين من خلال مداخلته أهم المرجعيات التي كان بدو الصحراء يستندون إليها في اختيار أسماء الأبناء، وأشار كذلك إلى أهم المرجعيات التي يعتمد عليها في الوقت الراهن.
المداخلة الرابعة: “الطعام والإطعام في الثقافة الحسانية مقاربة سوسيو- أنثروبولوجية”، قدمها الدكتور محمد الترسالي، باحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا. فقد أشار إلى أن الإنسان اهتم منذ فجر التاريخ بالغذاء، وجعله من أهم أولوياته الضرورية التي يتوقف عليها بقاؤه في هذا الوجود، ومن هذا المنطلق سعى الإنسان جاهدا لتوفير كل ما يحتاجه من مطعم ومشرب. ومع تطور الحياة الإنسانية أبدع البشر أشكالا جديدة في أنماط غذائهم وعيشهم، واهتموا بتحقيق وتحصيل أمنهم الغذائي. وبذلك خضع الطعام والشراب لمحددات اجتماعية وثقافية أصبحت موجهة للسلوك الغذائي للمجتمعات البشرية، وأدخلت عليه قيما إنسانية، ولم يعد للطعام وظيفة بيولوجية طبيعية فحسب، وإنما تعداه إلى الوظيفة الثقافية والاجتماعية.
المداخلة الخامسة: (عبر التناظر المرئي)، “دينامية تحول المجتمع الصحراوي من البداوة إلى التمدن”، للدكتورة لعويسيد سوكينة، باحثة في التاريخ المعاصر، تناولت في ورقتها البحثية موضوع دينامية تحول المجتمع الصحراوي من البداوة إلى الاستقرار / التمدن في ظل مجموعة من التغيرات التي لحقت بمجتمع الصحراء، منها انتقاله من مجتمع بدوي يعشق الترحال والرعي والتجارة، إلى مجتمع اضطر إلى الاستقرار في حاضرة من الحواضر الصحراوية، نظراً لمجموعة من العوامل الاجتماعية والطبيعية والاقتصادية. ونتيجة لهذا الانتقال تغيرت حياة الصحراويين، على جميع المستويات، سواء الثقافية الاجتماعية، أو الاقتصادية بحكم ما تفرضه الوضعية العامة الراهنة.
بالنسبة للجلسة الثانية (رئيس الجلسة الدكتور لحبيب النعيمي، عضو منتدى دكاترة الصحراء بالسمارة):
المداخلة الأولى: “دينامية الهجرة في مجال صحراوي قبلي من خلال نماذج لعائلات ركَيبية” للدكتور محمد المهدي أهل ميارة، أستاذ محاضر بالمعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة بالعيون، إذ أشار إلى أن أسباب الهجرة تتعدد في المجال الصحراوي، تبعا للخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، وكذا الاهتمامات الدينية للمجموعات القبلية. فزيادة على الهجرات الاعتيادية الناجمة عن الصراعات والحروب القبلية والجفاف، أو الهجرة التي تسبب فيها الضغط الاستعماري على القبائل التي انخرطت في حركة المقاومة المسلحة، نجد هناك أشكالا أخرى اختيارية بدوافع علمية دينية أو اقتصادية بحتة، وهو النموذج الذي حاول الباحث دراسته من خلال التركيز على بعض العائلات الركَيبية، التي نزحت شمالا لتؤسس زوايا دينية، كما هو الحال بالنسبة للزاوية البصيرية، التي امتد نفوذها إلى المناطق الداخلية للمملكة. و عائلات أخرى من نفس المكون القبلي اختارت الاستقرار في منطقة الرحامنة ممتهنة التجارة والرعي.
المداخلة الثانية: “التغير الاجتماعي وسؤال القيم بمنطقة الساقية الحمراء، دراسة سوسيوأنثربولوجية” للأستاذة غلي اسويح، باحثة بسلك الدكتوراة، مختبر: الإنسان والمجتمعات والقيم بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة ابن طفيل، القنيطرة. استهلت الباحثة مداخلتها بالتساؤل عن موقع القيم الثقافية من التحولات الاجتماعية والاقتصادية الحاصلة بالمجتمع، وعن مدى استجابتها وانسجامها، إذ تعد القيم تجليا من تجليات التغير، دون أن ننكر أنها المدخل الحقيقي لحدوثه، كونها تتصل بنمط تفكير وسلوكيات الناس، ما يجعلها متصلة بقابلية التبدل لديهم نحو متطلبات المجتمع الجديدة. كما حاولت الباحثة أن تقارب الموضوع، وتقف على تحول القيم الثقافية بالمنطقة، من خلال دراسة لنموذج قيمة احترام كبار السن بمنطقة الساقية الحمراء.
المداخلة الثالثة: “أنثروبولوجيا الماء بالساقية الحمراء دراسة ميدانية بحاضرة السمارة” للدكتور محمد الدحمي، باحث في الأنثروبولوجيا، ركز الباحث في موضوعه على أن الماء الذي يعتبر عنصرا حيويا لكل صنوف الحياة، فلا يمكن أن يكون هناك تجمع بشري أو عمران ما دون وجود وتوفر مصادر المياه. بل إن عديد الحضارات تأسست بناء على وفرة في المياه، لذلك سميت تلك الحضارات بحضارات الأنهار. وقد عرفتها الموسوعة الحرة ويكيبيديا على شبكة الأنترنيت بالقول أن حضارات الأنهار هي عبارة عن حضارات تقوم على ضفاف الأنهار. ومن بين الأمثلة مصر القديمة (نهر النيل) والهلال الخصيب (دجلة/الفرات) والصين القديمة (النهر الأصفر) والهند القديمة (السند). من هنا ارتأى الباحث أن يقوم بدراسة ميدانية عن عنصر الماء في الصحراء كإشكالية بحثية، مع اتخاذ إقليم السمارة كنموذج، وقدم أيضا بعض الأفكار عن الماء من الناحية الأنثروبولوجية والمعجمية، ليقف على أن الماء أصل الحضارة، وكيف يؤثر على الحضارة الإنسانية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه نعمة ونقمة في نفس الآن. ليصل إلى تنوع مصادر المياه وشح المياه العذبة في هذه المنطقة. ومن ثمة عرج على الدراسة الميدانية التي أجراها، وظروف القيام بها، ثم سلط الضوء على نتائجها، وقدم قراءة تحليلية لها.
المداخلة الرابعة: “التراث الثقافي لمنطقة الساقية الحمراء ورهان التنمية” للدكتور أحمد عالمي، دكتوراه في القانون العام، الكاتب العام لمنتدى دكاترة الصحراء بالسمارة، حاولت هذه الدراسة تسليط الضوء على أهمية التراث الثقافي لمنطقة الساقية الحمراء وآفاق التنمية، من خلال هذا التراث، فهذا الأخير يتميز بغناه المعرفي والرمزي، إذ يربط حاضر الصحراء بماضيها، ويعزز الثقافة المحلية، لذلك توجب صون هذه الثقافة والحفاظ عليها، فهي تلعب دور المحرك للطاقات المنتجة، لخدمة المنطقة، خاصة في مجتمع يعتبر التراث جزءً من كيانه ودليلا على أصالته، وركيزة أساسية لبنائه وتنميته. وهو ما يتطلب التفكير في تبني خطط وبرامج هادفة، وفق خيارات واضحة، لخلق تنمية شاملة وملموسة، عبر استثمار حقيقي لمختلف المؤهلات التي تزخر بها المنطقة، والمرتبطة بشتى مجالات الإرث الثقافي والتاريخي والاجتماعي والديني والرمزي والأثري.
المداخلة الخامسة: “صيانة الشعر الحساني للفقه المالكي في القرن الثالث عشر الهجري بين إسهامات البداوة وتأثيرات التمدن” للأستاذ أبالشيخ أباحاج، باحث بسلك الدكتوراه، كلية الشريعة أيت ملول، جامعة ابن زهر بأكادير، أشار الباحث في ورقته البحثية إلى أن الشعر الحساني في القرن الثالث عشر الهجري شكل مادة علمية حيوية، أثرت بيئة الصحراء بالكثير من الفوائد العلمية التي تشمل فنونا مختلفة، كاللغة والفقه وأحوال الواقع والناس، حين كان للشعر الحساني الفقهي دورا بارزا في تثقيف وتعليم أهل الصحراء بأمور دينهم، وبالأخص من لا يعرف القراءة والكتابة منهم، كما أن تنوع طرح هذا الشعر جعله أقرب للفهم والإدراك، سواء كان ذلك الشعر الفقهي سؤالا وجوابا للمسألة الفقهية، أو توثيقا لحكمها ومصدرها، أو نظمها فقط بلا توثيق.
وقد تفاعل جمهور الحاضرين مع الجلستين العلميتين عبر أسئلة ومداخلات قيمة أثرت مواضيع المداخلات وأشادت بمحتوياتها، خصوصا وأنها لامست بجد وبعلمية قضايا المجتمع الصحراوي في صميم علاقاته الاجتماعية، وطقوسه وعاداته التي تميزه عن غيره من المجتمعات، مع التوصية بالحفاظ عليها من المؤثرات الخارجية والتمسك والعناية الجيدة بها.
وقد تلى الجلستين العلميتين مباشرة حدث لا يقل أهمية، وهو توقيع كتاب : “المقاوم إسماعيل ولد الباردي” لمؤلفه الدكتور محمد دحمان من تقديم الدكتور أمجد عالي ليختم هذا الحفل العلمي الكبير والمتميز بتكريم الدكتور محمد دحمان، وتوزيع شواهد المشاركة. ثم القيام بزيارة قبر المرحوم المجاهد “إسماعيل ولد الباردي” تغمده الله بواسع رحمته.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة