سور يُهدّم ومسؤولية تُهزم بين رياح القدر وإهمال الإنسان
الجنوبية_بريس: ادريس المبروكي متابعة
سلا – في قلب حي بطانة، حيث تتعالى أصوات الحياة اليومية، جاءت صيحتان مفاجئتان لينقطع رتابة المكان: أولاهما عواء رياح قوية غير معتادة، وثانيتهما صوت انهيار مدوٍّ لسور خرساني يزيد ارتفاعه عن ثلاثة أمتار. في لحظات، تحول شارع بن كرير القريب من أحد المعامل إلى ساحة من الركام والغبار، حاملاً معه ألغاماً من الأسئلة أكثر مما حمل من كتل إسمنتية.
لم يكن الانهيار مجرد حادثة عابرة. فور سقوط الكتل الثقيلة، انتقل المشهد من صدمة الصوت إلى مأساة إنسانية مباشرة. حيث أصيبت فتاة وشاب كانا بالجوار بجروح خطيرة، نُقلا على إثرها إلى أقرب مركز استشفائي لتلقي العلاج العاجل. ولم تكن الخسائر البشرية وحدها؛ فقد تحولت سيارتان مركونتان في مكان ظنّ أصحابهما أنه آمن، إلى مجرد حطام معدني تحت وطأة السور المنهار.
لم تتوان السلطات المحلية في التدخل. حيث حضرت فرق التدخل والإغاثة بسرعة لتأمين المكان وتقديم الإسعافات الأولية. وأكدت السيدة القايدة، في تصريح ميداني، أن السلطات ستظل متواجدة في الموقع حتى يتم إعادة بناء السور وضمان سلامة المكان. وهو رد فعل استباقي يُحسب له، في محاولة لاحتواء التداعيات المادية والمعنوية للحادث الأليم.
لكن ما إن بدأ الغبار يتبدد، حتى بدأ جدل آخر أكثر تعقيداً في التصاعد. سرعان ما تشكلت روايتان متضادتان تشرحان أسباب الكارثة. رواية أولى تتهم صاحب المعمل المجاور، الذي يتبع له السور، بالإهمال وعدم القيام بالترميمات والصيانة الدورية اللازمة، خاصة مع تعرّض البنية لاهتزازات قد تكون ناتجة عن آلات المعمل على المدى الطويل. هذا الاتهام يحمّل الحادث طابع الإهمال البشري القابل للتجنب.
في المقابل، تقدم رواية أخرى، ينقلها بعض المصادر، تفسيراً مختلفاً جذرياً. حيث تؤكد أن السور كان في حالة جيدة، ولم يكن هناك أي مؤشرات على ضعفه أو حاجة لترميمه، وأن الرياح العاتية التي شهدتها المدينة كانت طارئة وقوية بشكل استثنائي، مما يجعل الحادث “قضاء وقدراً” أو حادثاً طبيعياً خارجاً عن سيطرة الإنسان.
يضع هذا التضارب الرسمي والجمهورَ أمام أسئلة محرجة: هل كانت هناك أنظمة رقابية دورية من قبل الجهات البلدية المختصة لفحص مثل هذه الأسوار، خاصة تلك المجاورة للمنشآت الصناعية أو الأحياء السكنية؟ هل توجد برامج صيانة إلزامية يجب على أصحاب الأملاك الخصوصية الكبيرة الالتزام بها؟ وأين تكمن مسؤولية الحماية المدنية من هذه المخاطر المحتملة؟
إن حادثة سقوط سور بطانة، رغم بساطتها الظاهرية، تفتح نافذة على إشكاليات أوسع تتعلق بثقافة الصيانة الوقائية، ووضوح المسؤوليات بين الملكية الخاصة والمراقبة العامة، وسرعة تحويل الكوارث إلى مجرد مناظرات بين “القدر” و”الإهمال”، بينما يغيب الحساب الدقيق والاستفادة النظامية لمنع تكرار المأساة.
فالخسائر الفادحة ليست فقط في السيارات المُدمّرة أو الجدران المنهارة، بل أيضاً في الثقة المجتمعية عندما تتحول سلامة المواطن إلى رهان بين تقلبات الطبيعة ودرجات وعي الإنسان.




