التفكير الزائد يسرق حياتك، ويسرق سعادتك، ويسرق ابتسامتك.

aljanoubiapressمنذ 6 دقائقآخر تحديث :
التفكير الزائد يسرق حياتك، ويسرق سعادتك، ويسرق ابتسامتك.

التفكير الزائد يسرق حياتك، ويسرق سعادتك، ويسرق ابتسامتك.

محمد الحجوي :الجنوبية بريس متابعة

إنه لا يطرق الباب، ولا يحدث ضجيجًا. يدخل بهدوء، كالضباب الذي يتسلل إلى الغرفة. يبدأ بسؤال بسيط، ثم يتحول إلى شك، ثم إلى سيناريو كامل من الكوارث لم يحدث بعد. إنه ذلك الصوت الذي لا يتوقف، العقل الذي أصبح سجنًا بدلاً من أن يكون ملاذًا. إنه التفكير الزائد، اللص الذي يسرق منا أثمن ما نملك.

إنه يسرق اللحظة. بينما أنت جالس مع أحبائك، مبتسمًا لطفلك، أو مستمتعًا بوجبة لذيذة، يكون هو هناك. يسحبك من واقعك الجميل إلى متاهة من الأسئلة: ماذا سيحدث غدًا؟ لماذا قال ذلك الصديق ما قال؟ كيف سأواجه ذلك التحدي؟ تفقد طعم القهوة، ودفء المحبة، وجمال الغروب، لأنك لست موجودًا حقًا هنا. أنت ضائع في زمن لم يأت بعد، أو عالق في زمن لن يعود.

ثم يمتد يده ليسرق منك السلام. تبحث عن السعادة في الخارج، في إنجاز جديد، أو في رحلة، أو في شراء، لكنك لا تجدها. لأن سرقتها تحدث من الداخل. كل فكرة سلبية هي حجر يلقى في بركتك الداخلية، فيعكر صفوها ويحول ماءها الصافي إلى وحل من القلق والتوتر. السعادة ليست غياب المشاكل، لكنها غياب هذا الحوار الداخلي المدمر الذي يحول المشكلة البسيطة إلى جبل لا يمكن تجاوزه.

وفي خضم هذه المعركة الداخلية، تختفي الابتسامة الحقيقية. قد ترفع زوايا شفتيك مجاملة للآخرين، لكن عينيك تخبران قصة أخرى. تخبران عن تعب داخلي، عن روح منهكة تحارب وحوشًا من صنع خيالها. الابتسامة التي تأتي من القلب، التي تشع براءة وطمأنينة، يختطفها ذلك اللص ليترك مكانها قناعًا من الحيرة والوجوم.

الأمر الأكثر إيلامًا أنه يسرق قدرتك على الاختيار والفعل. يتحول القرار البسيط إلى معادلة مستحيلة، وكل خيار يفتح أمامك مائة باب من العواقب الوهمية. فتجد نفسك عاجزًا عن الحركة، تفضل البقاء في منطقة الأمان الوهمي لأن المجهول مخيف جدًا. الحياة تتقلص أمام عينيك، وتفقد ألوانها، لأنك تفضل الظل على مواجهة شمس قد تحمل في دفئها بعض الألم، ولكنها تحمل أيضًا نموًا وحيوية.

لكن الأمل لا يزال موجودًا. إن أول خطوة لاستعادة حياتك هي أن تدرك أنك لست أفكارك. أنت المراقب لهذه الأفكار، والشاهد عليها. عندما تتعلم أن تفصل ذاتك عن هذا الضجيج، ستبدأ في استعادة سلطتك. الحياة ليست في تحليل كل لحظة، بل في عيشها. ليست في توقع كل منعطف، بل في الثقة بأنك ستكون قادرًا على التعامل معه عندما يأتي.

أغلق باب السيناريوهات الكارثية. عد إلى هنا، إلى الآن. اشعر بنسمة الهواء على وجهك. استمع إلى الضحكات من حولك. تذوق طعامك. اقبض على تلك اللحظة وامنحها كل اهتمامك. هذه هي الحياة الحقيقية، وكل لحظة تعيشها بكامل حضورك هي انتصار على ذلك اللص، وخطوة نحو استعادة حياتك، وسعادتك، وابتسامتك.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة