قلعة السراغنة: مقاعد الموت.. رحلة يومية يتجاهلها الجميع!
يوسف دمناتي :الجنوبية بريس متابعة
ينطلق كل صباح من محطة تملالت، محمّلاً بأكثر من طاقته، متحدياً القوانين ومخاطر الطريق. سيارة أجرة كبيرة مرخص لها بنقل ستة ركاب فقط، تتحول يومياً إلى وسيلة نقل مكتظة تتجاوز الحد المسموح به. تتجه بهدوء نحو قلعة السراغنة، تمر أمام نقاط المراقبة التابعة للدرك الملكي دون أن تتعرض للتوقيف. فتثور التساؤلات: كيف يستمر هذا التحدي للقانون؟ وما مصدر هذه الجرأة؟ ومن الذي يوفر الحماية لهذا السائق؟
تكمن الخطورة الأساسية في الاستهتار الواضح بمعايير السلامة الطرقية. فالحمولة الزائدة تزيد من احتمالية فقدان السيطرة على المركبة، مما يعرض حياة الركاب ومستخدمي الطريق للخطر. هذه الممارسة ليست مخالفة إدارية عابرة، بل انتهاك صارخ للثقة المجتمعية في وسائل النقل العمومي.
يبرز تساؤل جوهري حول فعالية الرقابة على الطرق. كيف لسيارة تخالف القانون بشكل منتظم أن تمر أمام أعين رجال الدرك دون أن توقف؟ هل يعود الأمر إلى ثغرات في نظام المراقبة؟ أم إلى تقصير في تطبيق القانون؟ هذا الصمت الرقابي يرسل رسالة خطيرة مفادها أن بعض المخالفات يمكن أن تمر دون عقاب.
لا يمكن فهم هذه الظاهرة بمعزل عن السياق الاقتصادي والاجتماعي. فقد يدفع الضغط المعيشي والسعي لتحقيق دخل إضافي السائق إلى المجازفة. لكن هذا لا يبرر مطلقاً التهاون في أرواح الناس. هنا تبرز مسؤولية الجهات المعنية في توفير بدائل نقل كافية تلبي حاجة المواطنين، وتحميهم من الممارسات غير الآمنة.
يعكس هذا المشهد ثقافة اللامبالاة وانعدام المسؤولية الجماعية. يتساءل الركاب والمارة عن الضامن لحقهم في التنقل الآمن. من المسؤول عن ضمان احترام القانون؟ هل تقع المسؤولية على عاتق سلطات المراقبة فقط؟ أم أن المجتمع مدعو أيضاً لرفض ركوب المركبات المخالفة والمشاركة في الإبلاغ عن هذه الممارسات؟
إنَّ معاقبةَ هذا السائقِ ليست قسوةً مجرَّدة، بل هي ضرورةٌ أخلاقية وقانونية لحماية المجتمع. فوراء مقود هذه السيارة يقف شخصٌ يتحمّلُ مسؤوليةَ أرواحٍ بشرية، وقد خانَ الأمانةَ بتهوره، متعمّداً مخالفةَ القانون وتعريضَ الركاب للخطر من أجل كسبٍ قليل.
العقابُ العادلُ ليس خياراً، بل هو واجب. واجبٌ نحو أولئك الذين يثقون بوسائل النقل العام، وواجبٌ نحو أسرٍ قد تدفع ثمنَ لا مبالاة هذا السائق دموعاً ودماءً. إنها رسالةٌ واضحةٌ بأنَّ أرواح الناس ليست سلعةً يمكن المقامرة بها، وأنَّ الطريق العام مَصلحةٌ عامة لا مجال فيها للإهمال أو التجاوز.
ليست القضيةُ مجرّد مخالفة مرورية عابرة، بل هي مسألةُ حياةٍ أو موت. وعندما نطالب بمعاقبة هذا السائق، فإننا نطالب في الحقيقة بحماية المجتمع من ثقافة “اللامبالاة” التي تنتشر كالنار في الهشيم. نطالب بتطبيق القانون ليس للعقاب فقط، بل للردع.. للتربية.. للحياة.