مستشفى لالة خديجة: جدران صامتة ووعود غائبة.. حيث تتحول غرف العمليات إلى مقابر حي

aljanoubiapress6 سبتمبر 2025آخر تحديث :
مستشفى لالة خديجة: جدران صامتة ووعود غائبة.. حيث تتحول غرف العمليات إلى مقابر حي

مستشفى لالة خديجة: جدران صامتة ووعود غائبة.. حيث تتحول غرف العمليات إلى مقابر حية!

هيئة التحرير الجنوبية بريس متابعة

انطلق داخل أروقة هذا الصرح الطبي الذي كان من المفترض أن يكون منارة للشفاء في قلب إقليم قلعة سراغنة. انطلق مع أول خطوة تعبر فيها البوابة الرئيسية، ليس لاستقبالك صوت صفير أجهزة التنفس أو همسات الممرضين أو حتى بكاء طفل حديث الولادة، بل لتصطدم بموجة صادمة من السكون الثقيل. سكون يهبط على كتفيك كحجر رحى، ثقيل، مُربك، ومليء بعلامات الاستفهام.

تأمل في الممرات الطويلة الفارغة. الأرضيات النظيفة نسبيًا تتلألأ تحت ضوء النهار الخافت، ليس لأنها تعكس حركة الحياة، بل لأن أحدًا لا يسير عليها. المقاعد البلاستيكية في صالة الانتظار مرصوصة بترتيب غريب، خالية من الآباء القلقين، والأمهات الحائرات، والمرضى الذين يسعلون في مناديلهم منتظرين دورهم. إنه نظام بلا حياة، وترتيب بلا معنى.

افتح باب أحد الأقسام الداخلية. ستجد الغرف خاوية على عروشها. أسرة معدنية مفرغة من فراشها، محاطة بستائر معقمة بيضاء تتحرك مع الهواء الخفيف كأشباح. لا وجود لزجاجات المحاليل، ولا أجهزة قياس الضغط والحرارة، ولا حتى رائحة المطهرات التي اعتدنا ربطها بالمستشفيات. كل ما تسمعه هو صدى خطواتك وحدها، تعود إليك من الجدران العارية، وكأن المبنى نفسه يتحدث إليك، يهمس بشكوى من إهمال حوّله إلى قشرة فارغة.

اسأل أي موظف إداري قليل العدد ستجده جالسًا خلف مكتبه. سيروي لك بحسرة قصة “المركز الاستشفائي” الذي يفتقر لأبسط مقومات الوجود. الأجهزة الطبية المتطورة؟ أحلامٌ كتبت في مشاريع لم تر النور بعد. حتى الأجهزة الأساسية والشائعة، كأجهزة التصوير الإشعاعي (الأشعة) أو تخطيط القلب، إما غائبة تمامًا أو معطلة بانتظار الصيانة منذ أشهر. إنه لغزٌ كيف يمكن لمكانٍ يحمل اسم “مستشفى” أن يخلو من أدوات التشخيص.

ابحث عن الصيدلية الداخلية. ستكتشف أن رفوفها ليست فقط شبه خالية، ولكنها تقدم صورةً مأساوية للندرة. أدوية الأمراض المزمنة غير متوفرة بانتظام، والمضادات الحيوية الأساسية “نفدت”، وأبسط مسكنات الألم قد تكون “في انتظار التوريد”. يصبح وصفة الطبيب مجرد ورقة حُلم، يحملها المريض أو أهله في رحلة تعب للبحث عن الدواء في صيدليات المدينة البعيدة، مضيفين أعباء مادية ونفسية إلى عبء المرض الأصلي.

تخيل نفسك طبيبًا شابًا، كُلفت بمهمة النهوض بهذا المستشفى. ستجد نفسك في مواجهة مستحيلة. كيف تشخص دون أجهزة؟ كيف تعالج دون أدوية؟ كيف تجري عملية جراحية دون فريق متكامل وأدوات معقمة؟ الإحباط هو رفيقك الدائم. الأطر الطبية، من أطباء وممرضين وأخصائيين، إما أنهم قلة لا تقاوم هذا الغياب الشامل، أو أنهم طلبوا النقل إلى مراكز أخرى حيث يمكنهم ممارسة مهنتهم بكرامة وإفادة المرضى. من يبقى منهم يحمل همًا ثقيلاً، يعالج المرضى بـ “الإمكانات المتاحة”، وهو تعبير مهذب عن “اللا شيء المتاح”.

قارن بين هذا الواقع المرير وبين الخطابات الرنّانة عن تطوير القطاع الصحي وتحسين الولوج إلى الخدمات العلاجية. الوعود التي تذاع في الإعلام عن بناء المستشفيات وتجهيزها تتحطم هنا على صخرة الواقع. سكان إقليم قلعة سراغنة ومنطقه، الذين دفعوا أموال ضرائبهم مثل غيرهم، يحرمون من حق أساسي من حقوق الإنسان: الحق في العلاج والرعاية الصحية اللائقة. هذا المستشفى الفارغ هو شاهد صامت على فجوة عميقة بين التخطيط المركزي والتنفيذ على الأرض.

استمع إلى قصص الناس. ستسمع حكايات عن مرضى اضطروا للسفر لعشرات الكيلومترات إلى مستشفى قلعة سراغنة أو مراكش في ظروف صحية صعبة، مما يزيد من معاناتهم ويضاعف من تكاليف علاجهم. ستسمع عن حالات طارئة لم تتحمل انتظار هذه الرحلة فكان مصيرها المأساوي هو المحتوم. كل قصة من هذه القصص هي تصويت بعدم الثقة، وصورة تظلم قلب إنسان.

انهض أيها المسؤول. انهض وزر هذا المكان بنفسك. امشِ في ممراته الخاوية، تنسم هواء اليأس الذي يستنشقه المرضى كل يوم. المستشفى ليس مجرد مبنى، إنه حياة. وعندما تخلو جدرانه من ضجيج الحياة، عندما يصبح سكونه يشبه سكون المقابر، فهذه ليست مجرد إشارة خطر، بل ناقوس إنذار يدق في ضمير الجميع. إنقاذ مستشفى لالة خديجة هو إنقاذ لأرواح آلاف الناس، وهو اختبار حقيقي لإنسانيتنا والتزامنا الحقيقي بصحة المواطن الذي هو، في النهاية، أغلى ما نملك.

– #الجنبوبيةـ بريس#ترصد الأحداث وتنقل الخبر #

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة