مستعجلات ابن رشد.. حين يصبح الحق في العلاج مجرد سراب

aljanoubiapress31 أغسطس 2025آخر تحديث :
مستعجلات ابن رشد.. حين يصبح الحق في العلاج مجرد سراب

*كيفما قالوا سيادنا الاوليين : “لا صحة لا مال”*

مستعجلات ابن رشد.. حين يصبح الحق في العلاج مجرد سراب

مريم الحيمر : الجنوبية بريس متابعة

في قلب الدار البيضاء، حيث يفترض أن يكون مستشفى ابن رشد صرحًا جامعيا شامخًا ينقذ الأرواح ويضمد الجراح، يقف المواطن مذهولا أمام مشهد لا يليق إلا بمقابر الألم. لا استقبال، لا عناية، لا كرامة. فقط جدران عالية يكسوها الصمت، وأرواح تئن في الزوايا المنسية.

“لا صحة لا سيرفيس”.. ليست مجرد عبارة عابرة يرددها الغاضبون، بل هي شهادة حياة لآلاف المرتفقين الذين يدخلون من باب المستعجلات كمن يدخل زنزانة انتظار مفتوحة على الموت. ترى المرضى مفترشين الأرض الباردة، فيما أجسادهم تئن تحت وطأة الألم، وأرواحهم تختنق برائحة الموت الممزوجة بروائح تزكم الأنوف.

أم تحمل طفلها المحموم تبحث عن سرير فلا تجد إلا البلاط، شيخ يئن من وجع قلبه بينما يجاوبه الممرض بعبارة مقتضبة “سير تاتجي”، شاب ينزف بصمت فيما ساعاته تتساقط كالرمال، والعيون الزجاجية للأطباء والموظفين لا تعكس إلا الروتين والإنهاك.

كيف يمكن لمستشفى يُفترض أن يكون منارة للطب والتعليم أن يتحول إلى مسرح لامبالاة جارحة؟ كيف يمكن أن يطلب من المواطن أن يؤمن بـ”الإصلاح الصحي” وهو يرى نفسه يعالج بالإهمال والانتظار؟

إن أخطر ما يعيشه هؤلاء المرضى ليس الألم الجسدي فحسب، بل الإحساس بأنهم بلا قيمة، مجرد أرقام في قوائم الانتظار، أو جثث مؤجلة إلى إشعار آخر.

مستعجلات ابن رشد ليست حالة استثنائية، بل مرآة لواقع صحي يتداعى بصمت. واقع يقول للمواطن إن حقك في العلاج مؤجل، وإن كرامتك رهينة بصدفة، وإن حياتك قد تنتهي على بلاط بارد قبل أن تصل يد رحيمة تمتد لإنقاذك ،عندما تدخل ابوك او امك ،اختك او اخاك, وانت ميقن تماما ان الدقائق القليلة قاتلة، وممكن ان تصنع فارقا كبيرا في حياته او موته ،وتقابل بتعامل بارد من القائمين على الصحة هناك، وكأنهم تقصدوا اللعب بتلك الدقائق ، والعبث بعداد عمر المريض ، هنا تحس ان كرامة وروح المواطن لا تساوي شيئا ،ولا تشكل فارقا حقيقيا وسط دفتر اعداد الوفيات، فهو اصلا الميت الحي الحاضر الغائب .

لقد أصبحت أبسط الضروريات في حياة المواطن المغربي كماليات، كأن يمرض فيدخل مستشفى خاص نوع من الترف ،وهو في الأصل من ابسط الحقوق ، أو أن يجد سريراً في مستشفى حلم ،وهو أهم واقع أساسي يجب أن يحضى به، وحين تصبح ورقة الدواء الباهضة الثمن التي يصرفها الطبيب كابوسا، وهي من أهم مقومات العلاج، الذي يجب الحصول عليه، بدون أدنى قيد او شرط، حينما ترى خزائن المشفى ملئى بكراطين الادوية ، وتبيعك الممرضة اياها بثمن رخيص ،عندما يطلب منك حارس الباب 20 درهما، لتدخل لدقائق معدودة فقط ، لتملي عيونك بنضرة من أخ او اب او ام او اخت لاخر مرة في حياتهم وتبكي في حضرتهم ،عندما لا يحترم الوطن مواطنيه حتى في أقصى لحضات حزنهم، وانكساراتهم ،حينها نقول علينا ،وعلى احلامنا المنكسرة ،وعلى صحتنا ،وحتى على مستقبل الاجيال السلام.

الوطن الذي لا يسمع أنين مرضاه، ولا يمسح دموع أمهاتهم، ولا يخفف وجع قلوبهم، يفقد بوصلة إنسانيته. وآن الأوان أن نفهم: الصحة ليست امتيازًا، بل حياة.. ومن يستهين بالحياة يغامر بمستقبل وطن بأكمله.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة