العطش يطرد السكان والحرارة تخنق الحياة… صرخة من قلب بوادي سيدي إفني المنسية
الجنوبية بريس : عبداللطيف بيه| سيدي إفني .
في أعماق الجنوب المغربي، وتحديدًا في دواوير إقليم سيدي إفني، تتعالى صُرخات العطش القادمة من قلب قرى تنكرفا وأملو وسيدي حساين أوعلي، حيث لا ماء يروي الظمأ، ولا ظل يخفف لهيب الشمس ، هناك، لا تحتاج إلى الكثير من الأسئلة لتكتشف أن الحياة بدأت تنحسر، وأن الأرض والإنسان يذوبان معًا تحت حرارة تتجاوز كل المعايير، وسط صمت رسمي بات أكثر قسوة من الجفاف نفسه.
دواوير بلا ماء… منازل ببراميل فارغة
في جماعة تنكرفا، تبدو الصورة أشبه بمشهد من فيلم مأساوي ، سكان دواوير سماهرة ، مثل إدمبارك، تيجيكن، تيدورين، تيكتان …إعتادوا منذ شهور أن يستيقظوا على عطش وأن يناموا عليه ، براميل الماء المتناثرة في الزوايا تحوّلت إلى أدوات مهجورة لا وظيفة لها سوى التذكير بقسوة الواقع، بينما بات جلب بضع لترات من الماء يتطلب ساعات من المشي، وأحيانًا إمتطاء الدواب أو دفع أثمان باهظة تفوق قدرات الأسر.
أملو وسيدي حساين أوعلي… الجفاف يسرق ما تبقى من الأمل
الصورة لا تختلف كثيرًا في دواوير جماعة أملو، مثل تيزكي وإدموسكنى، حيث إضطر عدد من الأسر إلى ترك منازلهم والهجرة نحو المدن بعد أن أعياهم البحث عن قطرة ماء، فيما تقاوم أخرى البقاء تحت ظروف أشبه بحصار بيئي لا يرحم.
أما في جماعة سيدي حساين أوعلي، فإن المعاناة تتضاعف مع كل يوم جديد، حيث تعلو درجات الحرارة لتزيد من إختناق الحياة، في غياب كلي لأي تدخل فعّال ، الأطفال، النساء، والمسنون، أصبحوا الأكثر عُرضةً لمخاطر صحية وإجتماعية تهدد كرامتهم وحقهم في الحياة.
مشاريع معطلة ووعود فارغة
ورغم وعود متكررة من السلطات المحلية والإقليمية بإنجاز مشاريع مائية مستدامة، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك ، مشاريع طال إنتظارها ظلت حبيسة رفوف المكاتب، في وقت يستمر فيه تدهور الوضع دون حسيب أو رقيب.
الترقيع لا يُروِي… و”العدالة المائية” مطلب شعبي
يرى فاعلون جمعويون ومتابعون للشأن المحلي أن ما يتم حالياً من حلول ظرفية، كبيع الماء عبر شاحنات صهريجية، لا يرقى إلى مستوى التحدي الإنساني والبيئي الذي تعيشه المنطقة ، بل ويُتهم البعض بإستغلال الأزمة لتحقيق أرباح مالية غير مشروعة عبر فرض أثمنة لا تراعي القدرة الشرائية للساكنة، مما يحوّل العطش إلى مصدر دخل لبعض الجماعات، بدل أن يكون أولوية تنموية مستعجلة.
نزيف بشري وزراعي… والكارثة تطرق الأبواب
النتائج بدأت تظهر على الأرض: دواوير مهجورة وضيعات الصُّبار مُدمرة ، وقطعان ماشية مهددة بالنفوق تباعًا بفعل العطش ، حيث مشاهد تختزل أزمة مركّبة عنوانها الفشل في ضمان الحق الأساسي في الماء، وتُهدد بتحوُّل بوادي سيدي إفني إلى مناطق منكوبة.
أين الدولة؟
وسط كل هذا، تتساءل الساكنة: أين وزارة التجهيز والماء؟ أين وكالة الحوض المائي؟ أين برامج التنمية القروية التي تتغنى بها الخطب الرسمية؟ وأين الدولة من أزمة باتت تمس الحق في الحياة الكريمة؟
خلاصة… صُرخة تتجاوز حدود الجغرافيا
أزمة الماء في بوادي إقليم سيدي إفني لم تُعد مسألة محلية أو موسمية، بل أصبحت مرآة تعكس هشاشة السياسات العمومية تجاه العالم القروي ، إنها دعوة ملحّة لتصحيح المسار، وتغليب منطق العدالة المجالية، وتحقيق “السيادة المائية” للمواطن، لا تركه فريسة للجفاف والإهمال.
فهل تستجيب الجهات المسؤولة؟ أم أن صُرخات سكان البوادي ستظل تذوب في صمت الصحراء؟