تشجير أم تشويه؟ حين تُزرع الأشجار وتُنسى الكرامة
نقلا عن موقع حياد24 – الجنوبية بريس متابعة
في زاوية من زوايا مدينة السمارة، حيث يُفترض أن تزهر الحياة وتتزين الأرصفة بالخُضرة، تُفاجئنا مشاهد لا علاقة لها لا بالتحسين الحضري ولا بجمالية الفضاءات العامة. شجيرات غُرست على عجل، تُركت خلفها كميات من القاذورات، وأكوام من الأتربة، وخرقٌ وأكياس بلاستيكية تذرّها الرياح، فتغدو الشجرة المسكينة شاهدة على فوضى بلا رقيب.
ما جرى لا يبدو وليد المصادفة. فحين تتكرر نفس الممارسات، وتمر الأيام دون أن تمتد يد لإزالة الأوساخ أو لتصحيح المسار، يحق لنا أن نتساءل: هل هذا إهمال عابر أم سياسة ضمنية؟ هل الجماعة تزرع لتُقال إنها قامت، ثم تمضي وكأن شيئًا لم يكن؟
أليست النظافة جزءًا من كرامة المدينة؟ أليس الاعتناء بالشجرة جزءًا من احترام من يمر بجانبها، من الأطفال الذين يلعبون قربها، من المسنين الذين يتكئون على ظلها؟ كيف نفسّر هذا التناقض الصارخ بين ما يُعلن في الخطب والاجتماعات، وما يُترك في الشوارع والهوامش؟
وبالرغم من هذا الواقع المحبط، لا يمكننا إلا أن نُشجع على مواصلة عمليات التشجير، لما لها من أثر إيجابي لا يُنكر على البيئة وصحة المواطنين. لكن، ليت التشجير لا يتحول إلى شعار أجوف أو صورة موسمية تُلتقط أمام عدسات الكاميرات. نريد غرسًا مصحوبًا برؤية، وتشجيرًا تحمله عقول تُخطط وقلوب تحترم الإنسان والمجال. نريد أشجارًا تُغرس وتُعتنى بها، لا تُغرس وتُترك كأنها عبء أو خطأ إداري.
إن دعوة الساكنة إلى المشاركة في هذه العمليات البيئية يجب أن تُقابل بالتزام فعلي من طرف الجهات المسؤولة، التزام لا يقتصر على المبادرة بل يتعداها إلى المتابعة، والتنظيف، والتقييم المستمر. لأننا حين نزرع شجرة، لا نزرعها فقط في التراب، بل نغرس معها قيَماً حضارية: النظام، الجمال، والمسؤولية.
فلنشجّع التشجير، نعم، ولكن فلنجعله فعلًا مؤسسًا لا ديكورًا مؤقتًا. ولنزرع ومع الغرس كرامة المدينة وإنسانها، حتى لا تصبح الشجرة شاهدًا على الإهمال بدل أن تكون رمزًا للحياة.
