بقلم عبد الخالق حسين : رئيس المجلس العلمي لطانطان
الأحد: 21/04/2024
**جمالية المجالس المغربية؛ و روحانية دعاء الختم**
1- هذا الدعاء ( المرافق للمقال) يختم به حفظة القرآن و أئمة المساجد في مملكتنا الشريفة ختمة القرآن الكريم وبلغتنا (سلكة القرآن)..وغالبا ما يقرأ بعد غسل الايدي عقب الأكل ..خاصة الانتهاء من اكل الفاكهة.. والاغلب ان هذا الدعاء يتزامن مع جولة (رش العطور و المسك) و الوقوف لأخذ حصة من دخان البخور المتصاعد المنعش.. ما أجمل تلك اللحظات و ما أروع تذكرها..
2- يتضمن هذا الدعاء : العقيدة الصحيحة و محبة سيدنا رسول الله و التوسل و التضرع الى الله..و كمال الخضوع والعبودية..الجميل أنه يقرأ جماعة أي جميع من يحضر المجلس يردده بصوت مغنى و موزون و جميل ..يحرك القلب و يقشعر منه الجلد..وتذرف منه العين..
3- لازال البعض مصرا على جهله .. مكابرا على ان لا يفهم الخصوصية المغربية في قراءة القرآن جماعة بعد صلاة الفجر و المغرب..و تلاوة قصيدة البردة و الهمزية جماعة..و احيانا التغني بقصيدتي الدعاء الناصري و المنفرجة جماعة ..انها جلسة ذكر لله.. و لكنه ذكر فريد يجمع بين الذكر و التعليم ..و خلق جو روحاني يسمو بالنفس و يحلق بالفؤاد..
4- إنها الخصوصية المغربية .. التي تجعل الطفل و الشاب الذي يحضر هذه المجالس كأنه يأخذ تلقيحا مناعيا ضد الغفلة و الانحراف في المستقبل..اسألوا الطلبة المغاربة في اروبا و الغرب و كذلك التجار المغتربين في الصين و امريكا الذين تربوا في اجواء هذه الاذكار الجماعية و الروحانية كيف أنهم ينظرون الى العالم و زينته و شهواته بنظرة الواثق في دينه الاسلام و نظرة المستعلي عن الانجرار و التقليد و الاستيلاب وذلك لسبب واحد..لانهم ذاقوا حلاوة الذكر الجماعي بتلك الطريقة المغربية الفريدة التي تجمع بين البساطة و التواضع وصلة الرحم و دفئ الدوار والقرية و روحانية المسجد او الزاوية و ديموقراطية الحضور حيث ركبة الفقيه تلامس ركبة القائد و ركبة الاستاذ تلامس ركبة الامي و ركبة الطبيب تلامس ركبة الفلاح و راعي الغنم…انها الخصوصية المغربية عندما يقوم الطبيب او الاستاذ ليصب للحضور في مجلس القرآن الماء لغسل الايدي باستعمال المغسل التقليدي النحاسي – أنا حضرت و رأيت عاملا لصاحب الجلالة يخدم الضيوف و يصب لهم ماء غسل الايدي قبل وجبة عشاء !!-
5 – انها الخصوصية المغربية عندما يرفع الفقيه الشيخ الورع دعاء الختم فيتقدم الحضور – بغير الزام- ليضع في يده دراهم و يطلب منه تخصيص الوالد و الوالدة بدعاء يؤمن عليه الحضور..انها الخصوصية المغربية ان يدعو الفقيه بعد ختم القرآن للمسلمين في مشرق الارض و مغربها و يدعو مع اهل المقدس..انها الخصوصية المغربية ان يخصص الفقي دعاء للمرأة و النساء المجتمعات في جهة البيت الاخرى و يخص اللاتي اشرفن على اعداد الطعام..انها الخصوصية المغربية ان يبعث بالاكل و العشاء لجميع جيران البيت الذي ختم فيه القرآن..و ان تخصص موائد للاطفال الذين يلعبون في الزقاق..انها الخصوصية المغربية ان يخصص نصيب لحارس الحي و احيانا لسيارة الشرطة التي قدر لها ان تمر تلك الليلة بالقرب من البيت الذي يختم فيه القرآن..
6- لقد حضرت ( ليلة ختم القرآن) ارسل صاحب البيت موائد عشاء لبعض الشباب الذين من عادتهم السهر في مكان منعزل في طرف الشارع..دائما انها الخصوصية المغربية التي تعتقد ان طعاما يقرأ عليه كلام الله عليه نور و فيه بركة ينبغي أن تعم الجميع..
انها الخصوصية المغربية ان أحضر سلكة للقرآن الكريم في بيت بجوار (برجي التوأمين/ توينز) بالدار البيضاء اي في عمق مركز التجارة بالمغرب..حداثة مغربية بعمق اخلاقي و روحاني..انها الخصوصية المغربية ان يخرج من السلكة فلان و قد صالح فلان و تعانقا و دعا معهما الفقيه (و لعنا الشيطان) بعد ان تخاصما في منافسة سابقة !!..
7- إنها الخصوصية المغربية؛ ان أحضر يوما؛ “سلكة” و كان من بيننا شاب فرنسي الجنسية؛ حديث عهد بالاسلام.. و عندما بدأ القراء الفقهاء يرتلون القرآن بطريقتهم السوسية الجميلة و الاخاذة ؛ قام الشاب الفرنسي فجأة؛ و جلس بينهم !! يستمتع بقراءتهم في خشوع و تذلل وإعجاب..
سألت عن أمره بعد نهاية المجلس.. فقيل لي أن سبب اسلامه “سماعه” من نافذة بيته في العاصمة باريس بعض المغاربة يقرأون القرإن جماعة بالطريقة المغربية !!
8- إنها الخصوصية المغربية التي جرى بها عمل اجدادنا لقرون.. و جدنا في هذا العرف؛ السكينة و الطمأنينة و صلة الارحام و احترام الفقيه و توقير الجار.. شربنا فيه من معين الاخلاق و الادب و (الصواب) .. تعلمنا فيه خدمة الناس و التواضع امام الضيوف.. اخذنا فيه دروسا في الصدقة و العطاء..
سقينا فيه محبة القرآن و اهل القرآن.. وانغرست فينا بسبب هذا العرف محبة سيدنا رسول الله و آل بيته الاطهار من خلال الترديد المتكرر لقصيدتي البردة و الهمزية اللتان تعرضان عليك السيرة النبوية غضة و حية ؛ كأنك تتابع فيلما وثائقيا تاريخيا..
9 – إنها الخصوصية المغربية؛ التي يجتهد البعض ليحاربها و يبخسها و ينتقصها و يبدعها و يبدعنا بسبب عشقنا لها..
ولا يدري المسكين؛ أنها هي ذاتنا و حقيقتنا و هويتنا ..
و نحن هي؛ و هي نحن حللنا جسدا..
10- و في الختام.. سوف أجيب من يسأل عن علاقنا بخصوصيتنا المغربية قراءة و ذكرا و احتفالا بالأمداح؛ أجيب السائل التائه بهذه الابيات؛ التي يتغنى بها المنشدون في زوايا المملكة الشريفة.. و فيها إشارات عميقة للعلاقة الروحية التي تجمع بيننا و بين هويتنا.. لمن فتح الله عليه في التقاط الاشارات :
ايها العاشق معنى حسننا // مهرنا غال لمن يخطبنا
فافن ان شئت فناء سرمدا // فالفنا يدني الى ذاك الفنا
واخلع النعلين ان جئت الى // ذلك الحي؛ ففيه قدسنا
فإذا قيل لك ما تهوى؟ فقل // انا من اهوى؛ ومن اهوى انا
فإذا ابصرتني ابصرته // وإذا ابصرته ابصرتنا
عنصر الانفاس فينا واحد // و كذا الاجسام ؛ جسم عمنا.