بقلم : عبد الخالق حسين: رئيس المجلس العلمي لطانطان..
*الدعاء الجماعي بعد التراويح: جلسة عمومية للعلاج النفسي.*
1- صيغة الدعاء التي يرددها المغربة في مساجد المملكة الشريفة بشكل جماعي بعد صلاة التراويح وهي : ( سبحان الملك القدوس..رب الملائكة والروح ..جللت السماوات بالعزة و الجبروت…الخ..) هذا هو ( الدعاء الجماعي) الجميل و الرائع .. و الذي جرى به العمل في تاريخ مملكتنا الشريف..
2- يحمل هذا الذكر نفحات روحانية خاصة.. عشنا أجواءها الجميلة و الجليلة و نحن صبيان صغار.. و لازلنا ونحن كبار نعيش نوستالجيا الطفولة البريئة التي كان فيها التدين مغربيا فطريا و سطيا .. بعيدا عن لغة التبديع و التفسيق و المفارقة و العبوس .. كنا نفطر في رمضان ثم نتسابق الى الصفوف الأولى في المسجد؛ نستنشق عطر القرآن و الذكر الذي يجلل المكان..نحمل المصحف بين ايدينا بكل فخر و نخوة كأننا نحمل لباس وحلوة العيد .. ننتظر دخول الامام لنقف في الصف بين الكبار.. نشعر أننا كبرنا و رشدنا و نضجنا.. و أننا فارقنا عالم الصغار..
وفعلا كنا (كبارا ) في صغرنا..
3- أذكر أننا كنا بعد الصلاة ؛ نتحدث في مواضيع الكبار: قصص الانبياء و ترقيع الصلاة.. و كم قرأ المشفع في الركعة من آيات، هل ثمنا ام ربعا…
كانت اهتماماتنا كبيرة مثل أحلامنا..
و بعد انقضاء صلاة التراويح؛ كنا نتقدم بكل إعجاب – فقد كبرنا- الى جهة المحراب؛ لنشارك في عرس الدعاء الجماعي مرددين بصوت متناغم جميل و خاشع ومؤثر:( سبحان الملك القدوس..نكررها ثلاثا..ثم نردفها: رب الملائكة و الروح ..جللت السماوات بالعزة والجبروت ؛ وتتعززت بالقدرة و قهرت العباد بالموت.. اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك..الخ)..
العجيب؛ أنه يروى أن سيدنا رسول الله قد أمر أحد الصحابة بقراءة هذا الدعاء لدفع الغم و الهم و الوسواس !!
4 – إنني أهيب بكل الائمة و المؤدنين بأن يحافظوا على هذه الاذكار المباركة لسببين:
أ- أولا؛ لحماية الأطفال و الشباب من الاغتراب الذي سببه اتساع المدينة؛ و ضعف العلاقات الاجتماعية بسبب الغزو التقني؛ و الفردانية القاتلة التي تسببت فيها الهواتف الذكية و مواقع التواصل الاجتماعي..فاجواء الذكر الجماعي تقدم تعويضا روحيا للتفكك الاجتماعي..إذ أن الذاكر يحس بانتمائه لأسرة كبيرة متحابة يحضن بعضها بعضا..
ب – ثانيا؛ لكون الذكر الجماعي بمثابة جلسة للعلاج النفسي..فالمرأة او الرجل او الشاب الذي اثقلت كاهله الضغوط المتنوعة الناتجة عن طبيعة الحياة المعاصرة..يجد في لحظة الذكر بصوت مرتفع نوعا من العروج و التسامي النفسي و الروحي..
إن غشيان الرحمة و تنزل السكينة و حفوف الملائكة يلمسها ( المشارك في جلسة الذكر) بعد الصلاة..إنها عملية جراحية روحية تجرى بلطف “للذاكر” فتستأصل منه ( الحزن و العسر و القلق..) ..فيحس أنه قد فارق (ألما و ازعاجا باطنيا) يؤرقه و يعذبه و لكن لا سبيل للتخلص منه ..
5- إن جلسة الذكر الجماعي بعد التراويح تضع الوزر الذي ينقض الظهر ، و تزيل الهم الذي يشق الرأس، و تفرغ القلب من ( الحزن) الذي يشغل البال و يبدد طاقة الانسان..
ها نحن أصبحنا نسمع أخبار المرض النفسي و تداعياته : فهذا الشخص يعالج هناك.. و هذا الشاب حاول الانتحار.. و هذه السيدة تعيش حالة اكتئاب.. و الدواء بين ايدينا..ماكان اجدادنا يذكرون شيئا من هذه ( الاحزان المتلاحقة ) التي تعذب الناس اليوم..لانهم كانوا محافظين ومداومين على حضور هذه الجلسات الربانية ؛ التي على بساطتها ، كانت تبسط التحديات أمام الناس..و كانت تمدهم بالمناعة التي يحتاجون ..و كان كل فرد يشعر بأنه داخل أسرتين اثنتين: اسرته الصغيرة البيولوجية ابا واما.. و اسرته الكبيرة ( اسرة المسجد و جماعة المسجد) التي تضمه و تسأل عنه وتواسيه و تزوره و تعوذه اذا مرض و تستدعيه لافراحها و احزانها..
6- كثرا ما اتساءل ويحيرني السؤال : في زمن الفردانية والأنانية التي تنخر العالم.. ما الذي يجعل (المواطن المغربي) عندما يموت جاره يسارع ليصلي في جنازته، و يصر على اتباع النعش في اليوم الشديد الحرارة في عز الصيف.. و يقف على القبر حتى يوارى التراب ثم تقرأ سورة ياسين ويرفع الدعاء ..إنها ساعات من الجهد والصبر و العرق و الاجهاد..وهذا الجار لا تربطه معه قرابة و لا مصالح مادية..صدقوني إنها بركات المسجد و جماعة المسجد و اخوة المسجد و ىابطة الصلاة الجماعية و روحانية الاذكار الجماعية..
7- فلنحافظ على ( ما جرى به العمل ) في مملكتنا الشريفة..فمن سن سنة حسنة فله اجرها و اجر من عمل بها..وجزى الله خيرا اجدادنا وعلماءنا و مشايخنا و شيوخ زوايانا الذين حافظوا على هذا الموروث العظيم الي يجمع ولا يفرق و يؤلف ولا يفتت و يحبب ولا يبغض..
و لنرمم تديننا المغربي ذو الخصوصية الفريدة و الذي اصيب بعضه بعاديات و ريح عقيم جاءت صرصرا فبدعت و فسقت وكفرت ..تعامل الناس كأنهم ( في جاهلة جهلاء) و يحتاجون للدخول الى الاسلام من جديد !!؟؟
8- ولنقل لكل من يتجرأ على توابثنا و مقدساتنا و مذهبنا و تصوفنا و ماجرى به العمل عندنا لقد أخطأت العنوان..إن المملكة الشريفة بإمامة أمير المؤمنين لترى إلى المآلات المأساوية المستقبليةالتي تنتظر المتنطعين و الغالين في الدين رأي العين..
9- و إننا بتربيتنا الصوفية السنية وبمذهبنا المالكي وارث فقه عمر بن الخطاب و فقهاء المدينة السبعة و زعيم اعتبار المقاصد الشرعية.. و برعاية بصيرة و حكمة إمارة المؤمنين لعلى “يقين اليقين” أن أنموذجنا المغربي في تدين الرحمة و السلام و التعارف و الوسطية.. لهو الحل والعلاج والمستقبل و الملجأ و الفتح.. الذي سوف ( تطلبه و تقلده) الأمة الإسلامية كلها..و بيننا الايام .. أليس الصبح بقريب.. والله أعلم