قمر …قصة ٱنتحار

aljanoubiapress1 مايو 2023آخر تحديث :
قمر …قصة ٱنتحار

على مقربة من منحدر يطل على الوادي،يجلس قمر يتفرس في حركة المياه وهي بالكاد تتمايل،الوادي شبه جافٍ إلا من كمية قليلة من المجرى لا تكاد تغمر سفحه،يخطف نظره بين الفينة و الأخرى شكل الشجيرات وهي تطاوع نسيم الريح التي تهب هذا المساء.
يهرب قمر أحيانا من واقعه داخل المدينة ليعانق الطبيعة المطبوعة، ويتحرر من طقسه الروتيني،يهرب من الوقت ليعيش على طبيعته الأصل، يتنصل من هويته الإجتماعية،ويلبس هويته البشرية،كذلك كان الإنسان قبل أن تلطخ طبيعته الثقافة بأتعاب وهواجس تتجاوز وجوده الجسدي…، قمر شاب في الثلاثينات من عمره عاطل عن العمل،غير متزوج،وبدون أولاد، شاب مثقف قرر العيش على وقع حياة العزوبية،وعدم توريط نفسه في مسؤولية مصيرية يجني فيها على نفسه وعلى أبناء من صلبه.يقضي نصف يومه تقريبا كل نهاية أسبوع هائما بعيدا عن صراخ المدينة وحركيتها الذؤبة،ويعود بعد أن يسدل الليل ظلامه،بعد أن يتوقف الزمن ويعود كل عامل من عمله،وكل موظف من وظيفته،وكل عزباء من موعدها، يخاف أن يؤثر مشهد العودة على ضميره ويدخله في سيل جارف من الأسئلة المؤرقة،وخز الضمير يفقده كل رغبة في الحياة تماما.
في اليوم الموالي وبعد أن أفاق من ليلة نام فيها نوما عميقا إثر العياء الذي أصابه من كثرة التجوال في الحقول الزراعية للفلاحين الصغار المتاخمة للمدينة،قصد الحانوت لإقتناء السجائر،ثمن السجائر تتكلف به والدته التي تعاني هي الأخرى من كثرة التفكير في هموم ٱبنها الثلاثيني، الوالدة تعمل في مقهى وسط المدينة تقضي يومها في غسيل أواني المقهى لتوفير بعض الدارهم لتغطيه مصاريف المأكل والمشرب،وثمن سجائر قمر، أشعل سجارته في شرود تام،كأن السجارة بريق أمل يحي فيه الرغبة على مواصلة الحياة،وتوقف لبضع دقائق قرب الحانوت،ثم ٱنطلق في رحلة تجوال وسط أزقة المدينة، يتوقف أحيانا ويكمل المسير أحيانا أخرى…
صباح يوم غائم تجمهر عدد يسير من المارة وأصحاب السيارات على حافة معبر للسكة الحديدية،وسيارة إسعاف حمراء اللون،وسيارة للدرك،وبعض المسافرين الذين كانوا على متن القطار الذي توقف بدوره ٱضطراريا، في مشهد ينذر على وقوع واقعة تستدعي أن يتوقف كل مارٍ لاستطلاع ماذا يحدث؟لحظات فقط حتى ظهر رجال الوقاية المدنية يحملون أشلاء جثة مكسوة بثوب أبيض،تعود الجثة لقمر،ٱعترض سبيل القطار ووضع حدّا لحياة لا جدوى منها،وخلص والدته من عبئه وثمن سجارته وقهوته.
قلم /يونس كلة
قصة قصيرة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة